باعتباره أبرز ملتقى سنوي حول النشر والكتاب، يحضره مثقفون وكتاب ومفكرون ومبدعون في مختلف أصناف المعرفة، فإن المعرض الدولي للنشر والكتاب يعد المجال الأنسب للتداول حول القضايا الراهنة الوطنية والدولية. لذلك يكون رواده طيلة أيام التنظيم على موعد مع ندوات تقارب مختلف المواضيع الفكرية والأدبية والفنية في نقاش متعدد يحاول تقديم أجوبة للأسئلة الفكرية والمهنية.

كان الأدب دائما حاضنة للأسئلة الوجودية للإنسان ولتفاصيل مسيرته التحررية من قيود الطبيعة والمجتمع. ولكونه يفتح باب التفكير على مصراعيه تجاه الماضي والحاضر والمستقبل، فإنه لازال يحفل بآفاق قراءة الوجود قراءة واقعية وتخيلية، مجردة ومشاعرية، تعطي للمتلقي مفاتيح فهم متعدد.

للارتباط الوثيق بين الثقافة والفنون، يفتح المعرض الدولي للنشر والكتاب نافدة على الفنون سواء كموضوع للدرس والكتابة أو كمادة مرافقة لأمسيات شعرية. التشكيل والموسيقى والمسرح وغيرها من الممارسات الإبداعية الفنية ستأخذ مكانها في العرض الثقافي العام الذي يقترحه المعرض على زواره، عرض يضيء مسالكه كتاب ونقاد ومبدعون يجسدون دور الفنون كحارسة للهوية وكأداة لحياة أكثر بهاء.

ظل الإنتاج النسائي حاضرا في الرصيد الفكري للإنسانية. وقد برزت الكتابة النسائية في مختلف الحقول الأدبية والعلمية لتعرف تطورا ملحوظا وتكون موضوع دراسة وتحليل وتقييم. كما حفزت خصوصية هذه الكتابة بروز وعي تنظيمي أفضى إلى التآم النساء الكاتبات في رابطات وهيئات تقيم أنشطة هامة. ويفتح المعرض الدولي للكتاب والنشر كل سنة فضاءاته لعرض الكتاب النسائي وإقامة أنشطة وملتقيات حوله.

تتقدم الشعوب وتبنى الحضارات من خلال حركة فكرية دائمة الارتباط بالشك والسؤال. لا جواب دائم ومستقر في ظل عالم دائم الحركة والتغيير. رغم الأجوبة الدقيقة التي تقدمها مختلف العلوم للظواهر الطبيعية والإنسانية، لازال السؤال الفلسفي مطلوبا لا سيما فيما يخص المآل الذي يقود إليه عصر الثورات التكنولوجية والعلمية والحاجة إلى التفكير النسبي إزاء تنامي النزعات الاطلاقية والدوغمائية.

لتوفير شروط تكوين مجتمع قارئ ووثيق الصلة بالكتاب، لا بد من الاشتغال على الأجيال الصاعدة لربطها بعوالم القراءة والكتاب. لذلك يعمل المعرض الدولي للنشر والكتاب على إقامة أنشطة احتفائية بإصدارات الشباب وتقديم المؤلفين الشباب ومنشوراتهم إلى رواد المعرض من أجل التعريف وكذا من أجل التكريم والتحفيز.

للمغرب عنوان مضيء من التنوع الثقافي والتعدد اللغوي كقلادة جواهر في خيط ناظم هو المملكة المغربية. وينطلق المعرض الدولي للنشر والكتاب من غنى بنيوي يستمد جذوره من الروافد العربية الاسلامية والأمازيغية والحسانية والعبرية والإفريقية والمتوسطية للهوية المغربية. ذلك أن المغرب يعتز بتسخير أروقة المعرض الدولي للنشر والكتاب وفضاءاته لتقديم هذا الغنى للعالم، وفي الوقت نفسه لاستيعاب ثقافات ولغات العالم في تبادل بناء قوامه الانفتاح والتعاون.

تختزن القارة الإفريقية مؤهلات بشرية وطبيعية وثقافية هائلة. وبحكم الانتماء الإفريقي للمملكة المغربية، يظل الحضور القاري في الهوية الوطنية قائما ومدعوا إلى مزيد من تعميق الاحتفاء. لذلك يواصل المعرض الدولي الاحتفاء بالرافد الإفريقي لهويته الثقافية، كما يواصل تعزيز الصلات الثقافية مع العمق الإفريقي من خلال جعل أروقته منصات لإبراز الكتاب والآداب والثقافات الإفريقية في تعددها وتنوعها، وكذا منتجيها ومبدعيها وناشريها.

يحتاج البناء المعرفي إلى جهد متواصل سواء من قبل مؤسسات مستمرة في الزمان أو حول مشاريع بحثية وإبداعية تكون موضوع تفكير فردي أو جماعي وتنشد تحقيق أهداف تراكمية. ولأهمية إبراز هذه المشاريع وتتويجها بجوائز تقديرية، يظل المعرض الدولي للنشر والكتاب كمحطة بارزة وطنية ودولية، الفضاء الملائم لهذة الوقفة الاحتفائية بأبرز مشاريع البحث والإبداع.

الشعر انعكاس للحياة أو صراع معها من أجل إنسانية أفضل. لذلك رافق هذا التعبير الأدبي والفني حياة الإنسان عبر العصور. واحتفاء بالشعر الملقى أو المغنى أو المكتوب، ظل المعرض الدولي وفيا لاحتضان الإبداع الشعري وتدارس قضاياه، كما لا يبخل على رواده بمتعة تلقي الشعر في رحاب الموسيقى؛ هي دعوة للجميع إلى ليالٍ في حضرة الجَمال.

بفضل الجهد الكمي الفردي والجماعي، يُفرَز العمل النوعي والمتميز الذي يلقى الاحتفاء والتتويج. إنه تكريم للذات المبدعة وتحفيز للمحيط على السعي لنيل التتويج وإرساء تقاليد القدوة والمثال. لذلك يواصل المعرض الدولي للنشر والكتاب احتفاءه بالكاتبة والكاتب وبمنجزهما المتوج من خلال فقرة احتفائية وتكريمية يلتقي فيها رواده بالكتاب الفائز وبمؤلفه لفحص بيئة وظروف الاشتغال التي يتمخض عنها العمل المتميز.

تفتح الذات المبدعة آفاقا جديدة على الفكر الإنساني. لذلك تظل أعمال المفكرين والأدباء والشعراء والنقاد وغيرهم من منتجي المعرفة، ضرورية من أجل عالم أفضل. وبفحص مساراتهم، تتاح للمقبلين على ولوج عالم إنتاج المعرفة، فرص الاحتكاك والفهم والاطلاع على الخبرات والتجارب.

كانت السنة الماضية سنة الاحتفال بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكندا. وفي هذه السنة، يفسح المعرض للدبلوماسية الثقافية مجال الدخول إلى عالم الثقافة والفكر في الكبيك (كندا) من خلال إطلاع رواده على واقع ومستجدات الكتاب في هذا البلد الصديق، كما سيكون مناسبة لربط ما يمكن من صلات التبادل بين المثقفين والمهنيين المغاربة ونظرائهم في الكيبك تعزيزا لقيم التفاهم والتعاون والسلام.

تظل التحولات التكنولوجية معطى يزداد تشعبا يوما بعد آخر، وهو ما يطرح على عالم الكتاب والقراءة واقعا شديد التعقيد غير بشكل عميق أنماط تعاطي المهنيين مع المجال. وللتداول حول ما استجد من أساليب التعاطي مع الموضوع، يستمر تقليد اليوم المهني الذي أرساه هذا المعرض، في خلق فضاء تفاعلي بين المشتغلين في مختلف حلقات صناعة الكتاب من نشر وتوزيع وترويج وبين الفاعل الثقافي.

لا جدوى لرحلة الإنسان التي تبدأ بصبا تعلم القراءة والكتابة، إذا لم تكن قراءة الكتاب مآلا لامتناهيا. الكتاب خلاص أيضا..، من كل شيء حتى من أنفسنا، إنه هُدْنة صخب الحياة اليومية وواقية مريحة من وابل صور العولمة، ولذلك يكون الغلاف راية الاستسلام لمتعة القراءة، يجذبك الكتاب وتجذبه في رقصة هادئة تنفذ إلى أعماق الوجدان…إلى أحضان هذا العشق، ندعو رواد المعرض الدولي للنشر والكتاب ليكتشفوا ما استجد في عالم الإصدارات.

حول الكتاب والنشر، يفتح المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثامنة والعشرين، منتدى للتداول الفكري حول القضايا الكبرى الراهنة التي تطبع الساحة الثقافية المغربية والإفريقية والعالمية. هكذا تكون أروقة وقاعات المعرض، فضاءات نابضة بنقاش وجدل فكري؛ ما أحوجنا إليه باعتباره مؤشرا على حركية ثقافية تتماهى مع الأسئلة والتحديات الراهنة.