س: بداية، ماذا تمثل الكتابة في حياتك؟

ج: الكتابة عندي باختصار، هي حياة أخرى فوق حياتي الحقيقية. المبدع عموما، أو كل من يقرأ ثم يقرر أن يكتب يفعل ذلك لأنه يريد أن يعيش حيوات أخرى.. أن يعيد اكتشاف العالم من خلال الكتابة وبالكتابة وحدها. أنا مؤمن أن حياة المرء التي يعيشها مرة واحدة غير كافية بالمرة وبالتالي فإني أبحث لنفسي عن مساحات أخرى أكثر رحابة وجدتها طبعاً في الكتابة.

س: نعرف أنك كتبت في الرواية والقصة والمسرح والآن انتقلت إلى الشعر، حدثنا عن المزاوجة بين هذه الأجناس الأدبية المتعددة؟

ج: في اعتقادي ليس هناك تعدد لأن كل هذه الأشكال الأدبية في النهاية هي تعبير. سواء أكتبتُ القصة أو الشعر أو المسرح يظل التعبير هو القاسم المشترك بين هذا وذاك. كل إنسان في هذا العالم يملك فكرة ويسعى إلى التعبير عنها وهو يختار في ذلك أي قالبٍ يناسبه هو شخصيا أو حتى حسب عمق الفكرة الشكل الأمثل لوصولها كما تصورها في عقله ووجدانه. أنا أعبر بالجسد والكلمة وحتى الموسيقى أحيانا.. المهم عندي أن أقول ما أود أن أقوله حقا.

س: أشرت في جوابك إلى التعبير بالجسد، كيف تخدمك التقائية الأدوار في كتاباتك ممثلاً وكاتبا؟

ج: طبعاً تخدمني جداً خلفيتي في التمثيل. في الرواية مثلاً أختار شخوصي بعناية فائقة.. أختار حركاتها وسكناتها بحدس الممثل الذي بداخلي. لكن الإضافة التي أتمتع بها حينما أكتب لنفسي.. أني أكون صاحب كلمتي يصبح الحرف حينها حرفي أنا وحدي. وأتخلص من ترديد كلمات الآخرين وأفكارهم. أنتقل من حيز ضيق إذا شئنا إلى حيز أكثر رحابة، أقول فيه ما شئت وأصنع بشخصياتي ما يحلو لي.

س: حدثنا عن ديوانك "وطن على حافة الرحيل" الذي توقعه اليوم بالمعرض الدولي للنشر والكتاب؟

ج: "وطن على حافة الرحيل"، هو أول ديوان شعري لي. كتبته على مهل مدة خمسة عشر عاما. لم أفكر يوما في نشره.. كنت أكتبه لنفسي. أشبعُ نداءً ما بداخلي كان يلح علي أن أكتب. جاءت فكرة نشره حينما اطلعت عليه زوجتي، ثم شجعتني على نشره.. كانت ترغب أن يطلع الآخرون على هذه التجربة الطويلة للوطن التي اختزلتها بين دفتي هذا الديوان. إنه عصارة مجموعة من تجارب الذات والجغرافيا. فقصائد هذا الديوان تجمع خلاصة خمسة عشر عاما الأخيرة، لهذا البلد بتغيراته الفكرية والسياسية والثقافية كذلك. من هذا المنطلق اقتنعت بنشره أخيراً.. لأني أريد أن أترك للأجيال القادمة أثرَ من سبقَ، أن يجدوا التاريخ مدوناً بصيغة أخرى.. بالشعر والمجاز والعبارة.

س: نجد في هذا الديوان تيمة حاضرة بشكل لافت وهي تيمة المدينة، أي مدينة تسكنك أكثر؟

ج: تماما، كتبت في هذا الديوان عن المدينة كثيرا، كتبت عن المدن الكبرى وعن مدن الهامش وأنا ما فعلت ذلك، إلا لأن كل مدن الوطن تسكنني.. أحس أنني أنتمي إليها كلها دفعة واحدة. طبيعة عملي علمتني ذلك. أنا اشتغلت في كل ربوع المغرب من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ولي علاقات إنسانية طيبة في كل هذه الأماكن. ولكن تظل مدينة واحدة تسكنني على نحو أبدي، هي مدينة مراكش. لأنها مسقط القلب والذاكرة لي فيها ذاكرة حية لا تنسى ولاتموت ومواقف كثيرة لا يمكن أن تغادرني يوما ما حتى وإن غادرتُها. 

س: ماذا يمكن أن تخبر اليوم زوار المعرض الدولي للنشر والكتاب؟

ج: أخبرهم وأخبر نفسي أن نشد على ناصية الكلمة.. أن نكتب كثيرا ونقرأ أكثر. أن نكثف فعل القراءة ونغرسه في قلوب أطفالنا. ينبغي أن نعلمهم كيف ينتقلون من الحرف إلى الحرف. لأني متأكد أنهم إذا خبروا متعة القراءة فلن يتركوا هذه العادة الجميلة أبداً.. وستظل الكلمة رفيقة لهم على الدوام وفي كل الحالات.