احتضنت قاعة تواصل، يوم الخميس 24 أبريل 2025، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، ندوة فكرية موسومة بـ"تجليات الثقافة الأمازيغية في سياق الهجرة"، بمشاركة فاعلين وباحثين في المجال، من ضمنهم فاطمة قاشا من فرنسا، والمثقف الجمعوي حسن لعكير من إسبانيا، إلى جانب الباحث السوسيوأنثروبولوجي محمد أوبنعل، تحت تسيير الأستاذ الحسين بوضيلب.
ناقشت الندوة الأبعاد المتعددة لانتقال الثقافة الأمازيغية إلى بلدان المهجر، مركّزة على ما يواجهه المهاجرون الناطقون بالأمازيغية من تحديات تهدد هويتهم الثقافية واللغوية.
واعتبر المتدخلون أن الثقافة الأمازيغية، رغم ما راكمته من حضور في السياقات الأوروبية، لا تزال تواجه مخاطر التهميش والاختزال، خصوصاً في ظل ضعف سياسات الاستدامة الثقافية في دول الاستقبال.
فقدان الهوية الأمازيغية داخل نموذج "المسلم العربي"
في مداخلتها، شددت فاطمة قاشا، الفاعلة الجمعوية المقيمة بفرنسا، على أن الهجرة المغربية في أوروبا، وخاصة منذ سبعينيات القرن الماضي، أسهمت في ترسيخ أشكال من التبادل الثقافي، حيث لعبت الأسر المهاجرة دورا مركزيا في نقل اللغة والتقاليد الأمازيغية. لكنها نبهت إلى أن الأمازيغ يعانون في المهجر من "حالة دائمة من الانفصال عن هويتهم"، مشيرة إلى أن الهوية الأمازيغية يتم اختزالها باستمرار في صورة "العربي أو المسلم"، ما يؤدي إلى التباس كبير في تمثلات الهوية.
من رفض جامعي إلى حضور مؤسساتي في إسباني
من جانبه، أكد حسن لعكير أن التحول في التعامل مع الثقافة الأمازيغية في بلدان المهجر بات واضحاً، خصوصاً في إسبانيا، حيث تجاوز الفاعلون مرحلة الرفض الأكاديمي الذي كان يحول دون تنظيم أنشطة تتعلق بالأمازيغية. وأشار إلى أن هناك حالياً اهتماماً متزايداً من قبل المؤسسات الرسمية والجهات المحلية ووسائل الإعلام الإسبانية، حيث باتت الثقافة الأمازيغية حاضرة في الجامعات، والمتاحف، والمهرجانات.
وسرد لعكير بعض النماذج الدالة، منها تخصيص متحف "تيسن" فعاليات عن الثقافة الأمازيغية بمناسبة اليوم العالمي للشعر، وبدء تشييد متحف أمازيغي تابع للقصر الأحمر في إسبانيا. كما أشار إلى إدراج اللغة الأمازيغية في برامج تظاهرات دولية، مثل مهرجان "إوا فيست" للموسيقى، إلى جانب ظهور كتاب وفنانين أمازيغيين يحتفى بهم في الساحة الثقافية الإسبانية.
وأكد أن الاهتمام المتزايد يعود إلى ثلاثة عناصر رئيسية: أولها أن جزءاً من التراب الإسباني ينتمي إلى المجال الأمازيغي، وثانيها الارتباط التاريخي بين الأمازيغ والأندلس، وثالثها تجربة إسبانيا في الاعتراف بالتعدد اللغوي.
الثقافة الأمازيغية كرافعة انفتاح.. ومجال للتهديد
بدوره، أوضح الباحث محمد أوبنعل أن الثقافة المغربية، بروافدها المتعددة ومن ضمنها الأمازيغية، قد أسهمت في توسيع دائرة الانفتاح الثقافي للمغرب على أوروبا والعالم. غير أنه حذر من أن هذا الانفتاح لم يُواكَب بسياسات فعالة لصيانة الثقافة الأمازيغية وضمان انتقالها بين الأجيال.
أما مسير اللقاء، الحسين بوضيلب، فقد أشار إلى التحولات التي عرفتها الهجرة المغربية منذ بداياتها، ولا سيما التحول في طبيعة المهاجرين، حيث أصبحت الهجرة تشمل فئات شبابية وطلبة، ما فتح المجال أمام بروز جمعيات مدنية وحركات ثقافية تشتغل على تثمين الأمازيغية وإبراز حضورها في المهجر.
خلصت الندوة إلى أن الثقافة الأمازيغية في سياق الهجرة ليست مجرد تراث منقول، بل هي مشروع مستقبلي يتطلب وعياً جماعياً وتدخلاً مؤسساتياً لحمايته وتطويره. وأجمع المتدخلون على ضرورة الاعتراف الرسمي بالتعدد الثقافي واللغوي داخل مجتمعات الاستقبال، وإرساء سياسات دامجة تعزز من حضور الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي المتوسطي والعالمي.