احتفاء بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين المملكة المغربية وكندا، بادرت وزارة الثقافة والشباب والتواصل، إلى دعوة مقاطعة كيبيك كضيف شرف على الدورة الثامنة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب، بالرباط. مناسبة ستمنح لزوار هذه التظاهرة، فرصة الاقتراب أكثر من الكتاب الكيبيكي والتعرف على طبيعة المواضيع التي عكف الكتاب والأدباء الكيبيكيون على طرحها ومناقشتها، فضلا عن المسار الذي سلكته الكتابة الكيبيكية.
وقال وزير الثقافة والشباب والتواصل، السيد محمد المهدي بنسعيد، خلال الندوة الصحافية الخاصة بتقديم الخطوط العريضة للدورة 28 من المعرض الدولي للنشر والكتاب التي عقدت يوم 19 ماي 2023، إن مشاركة مقاطعة كيبيك في هذه الدورة فرصة للتبادل الثقافي وإطلاع الزوار على عالم الكتاب والنشر في هذا البلد الصديق. مشيدا في نفس الوقت بالدور الذي يلعبه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في تطوير قطاع الثقافة من خلال إطلاق عدد من الاستراتيجية التي تهدف إلى الارتقاء بالمكون الثقافي للمملكة.
تبدو تجربة الأدب الكيبيكي فتية مقارنة بالتجارب الأدبية العريقة، كالتجربة الأدبية الفرنسية. فإلى حدود اللحظة لم تمر على إصدار أول مؤلف أدبي كيبيكي سوى مدة قرنيين، حيث أصدر الكاتب "فيليب أوبير دو كاسبي" رواية قوطية بعنوان "L’influence du livre " سنة 1837.
غير أن التطور الحقيقي الذي رسم للأدب الكيبيكي طريقه نحو العالمية تزامن مع فترة الحرب العالمية الثانية، وازدهر مع ما يعرف في كيبيك بالثورة الهادئة سنة 1960، والتي كانت وراء مسار الإصلاح والتحديث الذي لحق كل المجالات بما فيها المجال الثقافي والإبداعي.
صعوبة البدايات
ظلت الكتابة ومعها الأدب الكيبيكي مهمشين من الأغلبية، حيث كانت اللغة الفرنسية لغة الأقلية، حتى صعود القوميين خلال مطلع العقد الرابع من القرن 19 إلى سدة الحكم، وإقدامهم على خطوة فتحت الباب أمام المبدعين والكتاب الكنديين للاجتهاد في كتابتهم، ووضعت اللبنة الأساسية لأدب كندي بلغة فرنسية، وهو ما كان له بالغ الأثر في التأسيس لممارسة كتابة وأدب ذي خصوصية محلية.
ربط "موريس ليمير" ركود الإبداع الأدبي في كيبيك خلال نفس الفترة، في المجلد الأول من قاموس الأعمال الأدبية الكيبيكية، بغياب المكتبات العامة التي تحفز الجمهور على القراءة، والصعوبات التي كانت تواجهها عملية تجارة الكتب، وكذا العدد القليل للناشرين، والذين كانوا يرفضون نشر أعمالهم مالم تعتمد عملية الاشتراك لتحقيق الربح، كلها عوامل تفسر انسحاب الكتابات الأدبية من شعر وروايات وقصص إلى صفحات الجرائد والمجلات الكيبيكية خلال القرن 19.
الرواية .. جنس أدبي محفوف بالمخاطر
ظل الروائيون حتى ستينيات القرن 19 يعتبرون مصدرا للخطر، وظلت الشبهة تلاحق نواياهم لما كان للرواية من تصور سلبي في المخيال الجمعي الكيبيكي. فهناك منهم من دعا إلى وأد تجربتهم وتهميش كتاباتاهم معتبرا أنهم لا يتقنون سوى نشر التفاهة والسخافة بين الناس.
أما الروايات الأكثر شعبية حتى الحرب العالمية الثانية، فكانت روايات محلية استوحت حبكتها من قصة الطفل الضال؛ وهي قصة لأب له ولدان، أحدهما بار والآخر عاق. تفاصيل القصة تروي عودة الابن العاق مفلسًا للعيش مع والديه بعد تبديد الميراث، ليندهش بترحيب حار من والده، ما تسبب في غيرة أخيه الأكبر. ولعل رواية "Une revière-à-Mars" لصاحبها "داماس بوتفين" دليل على تأثر روايات تلك الفترة بهذه القصة، فهو زعيم الحركة الزراعية التي تدعو إلى العودة إلى الأرض باعتبارها الضامن الوحيد لبقاء الكنديين الفرنسيين.
كان الحفاظ على تركيبة المجتمع الكيبيكي محرك الكتابات الروائية المحلية لهذه الفترة، فقد انخرط رجال الدين وأطراف من الدولة آنذاك في دعم هذا التوجه الأدبي، تصديا منهم للهجرة القروية للكنديين الفرنسيين إلى مونتريال في الفترة التي تسارعت فيها حركة التصنيع. فكانت الغاية من هذا النوع من المؤلفات، هي تناقل وتوارث القيم والتقاليد لضمان الاستمرار، إلى أن اشتهرت حينها عبارة تقول " للأجانب، للإنجليزيين التجارة والصناعة؛ وللكنديين الفرنسيين الأرض والزراعة".
الرواية الكيبيكية .. محاولة لإيقاظ الوعي
بعيد وقوع الثورة الهادئة التي أعادت تنظيم شؤون الكيبيكيين في كل المجالات بما فيها مجال الثقافة والأدب، وبين سنتي 1940 و1970 تحديدا، تنوعت الكتابات الأدبية وخاصة الروائية منها، حيث برزت مميزات جديدة سواء على مستوى الإبداع والخيال أو على مستوى الكتابة والشخصيات الموظفة التي تعكس تصور الكاتب الروائي لكيبيك الجديدة، في محاولة من الكتاب لإيقاظ الوعي لدى القراء.
ففي جنس رواية الأخلاق العصرية، لم يتوقف المبدعون عند وصف الواقع الاجتماعي والاقتصادي في الأحياء المهمشة للمدينة، بل ركزوا على إبراز دور الشعور الحالم والطموح في التعبير عن الاغتراب واسترجاع المسلوب.
أما في جنس الرواية النفسية، فإن الروائي نفسه يحاول أن يصل إلى الوعي بما يجري داخل المجتمع، من خلال التحليل الذاتي الذي أوصله إلى أن تردي الحياة الفردية مرتبط بتردي الحياة الجماعية.
بينما في الروايات الاحتجاجية يتخذ رفض الإيديولوجيا التقليدية بعدا جماعيا، كما يركز هذا الجنس الروائي على فكرة أنه لا حل فردي لبؤس جماعي.
رواية الطفولة
اختار بعض الروائيين الكيبيكيين الرجوع إلى ذواتهم واسترجاع ذكريات طفولتهم، سعيدة كانت أم تعيسة، لطرد ذكريات الماضي، وهو جنس روائي مكتوب في أغلب الأحيان بضمير المتكلم، يحاول أن يبعث شخصية إقليم كيبيك، باعتباره انطوائي، مقاوم للآخرين، للإنجليز أولا وللأجانب بشكل عام. و من بين أشهر الإصدارات في هذا التوجه الروائي نذكر: رواية "Une enfance à l’eau bénite" لكاتبها " دينيس بومباردييه"، ورواية "Les souvenirs d’un enfant de chœur " لصاحبها "جون بيير بوشيه".
وتعتبر رواية "La petite fille qui aimait trop les allumettes"، بقلم "كايتون سوسي"، من بين الروايات المعاصرة، التي تبنت نفس توجه الروائيين المهتمين بربط كتاباتهم وإبداعاتهم بمرحلة الطفولة أو جزء منها، للتعبير عن الوضع الذي يعيشون فيه. وهي رواية تحكي المصير الغريب لطفلين خاضعين لأب مستبد ومسيطر، يأمر ويملي قوانينه، وكأنه يريد تصحيح خطئه بالانتقام من أطفاله الذين يجب عليهم طاعة أبيهم طاعة عمياء. ويمكن النظر إلى هذه الرواية على أنها استعارة لمدينة كيبيك، الخاضعة حينها للنظام البطريركي أو النظام الأبوي ولسلطة الدين.
أدب بنفس نسوي
ميزة اخرى للأدب الكيبيكي برزت خلال الأربعين سنة الماضية، هي انخراط النساء ليس فقط في الكتابة والإبداع، بل حتى في طرح القضايا المرتبطة بهن. فقد اجتمعن على فكرة النضال من أجل حقوق النساء وتحسين وضعيتهن داخل مجتمع ذكوري خاضع لسلطة أبوية ولسلطة الدين.
يعكس أدب كيبيك اهتمامات مجتمع كيبيكي حديث، منفتح على العالم، ومفعم بالديناميكية في محاولة للوصول إلى قراء لم يكونوا أوفياء له في وقت سابق. ويحل خلال هذه الدورة من المعرض الدولي للنشر والكتاب، بالرباط، ضيف شرف على الدورة، في محاولة لإطلاع جمهور القراء المغاربة على كتاب وأدباء جدد، وتشجيعهم على البحث في تاريخ وخصوصية الكتابة والأدب الكيبيكي.
وفي هذا الصدد، قالت ممثلة مكتب كيبيك بالمغرب، ميريام باكيت كوتيه، خلال الندوة الصحافية التي عقدها وزير الثقافة والشباب والتواصل السيد محمد المهدي بنسعيد يوم 19 ماي 2023، إن "المعرض سيشكل فرصة للكتاب الكنديين لعرض أعمالهم وتقديم أفكارهم ورؤيتهم للعالم"، واعدة في الوقت ذاته الزوار بـ"اكتشاف أعمال العديد من أعمال نجوم الأدب الكيبيكي، والعديد من الكتاب والكاتبات من الجيل الصاعد"، مشددة على أن " تكريم مقاطعة كيبيك بدعوتها كضيف شرف للدورة الثامنة والعشرين من المعرض هو شرف يعزز العلاقات المثمرة بين المغرب وكندا، خاصة في المجال الثقافي".
وعن مشاركة إقليم كيبيك في إغناء أنشطة المعرض، فقد أعلنت المسؤولة الديبلوماسية الكندية أن 32 دار نشر منتمية إلى الجمعية الوطنية لناشري الكتب ستمثل الإقليم في الدورة الثامنة والعشرين للمعرض. وإلى جانب عرض المؤلفات والكتب، سيتم، حسب المسؤولة نفسها، تنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية في الرواق الخاص بضيف الشرف، وتشمل حوارات وندوات إضافة إلى أمسية شعرية وأنشطة تستهدف الناشئين.