نظمت مؤسسة "أرشيف المغرب"، ندوة علمية بعنوان "تدبير الأرشيف ودوره في المناهج التربوية والتعليمية"، في إطار فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، المنظم في الرباط من 18 إلى 27 أبريل 2025،
وشهد اللقاء مشاركة نخبة من الفاعلين التربويين والباحثين في قضايا التعليم والتوثيق، وهم: الأستاذ فؤاد شفيقي، والأستاذ محمد الملوكي، والأستاذ عبد السلام انويكة، تحت تسيير الأستاذ خالد عيش.
وشكل اللقاء مناسبة لطرح إشكاليات ذات صلة بمكانة الأرشيف في المنظومة التربوية، وإبراز رهانات إدماجه في العملية التعليمية والتكوينية، كرافعة لترسيخ ثقافة الذاكرة والحفاظ على التراث الوثائقي الوطني.
وفي مداخلته، سلط الدكتور فؤاد شفيقي، أستاذ التعليم العالي في مجال علوم التربية، والمفتش العام للشؤون التربوية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الضوء على حجم الوثائق التي تنتجها وزارة التربية الوطنية، سواء على مستوى إعداد المناهج أو تحديد التوجهات التربوية الكبرى، مميزا بين الوثائق ذات الطابع الشخصي وتلك التي تندرج في إطار الأرشيف العام؛ مؤكدا أن عددا كبيرا من هذه الوثائق، مع مرور الزمن، يتحول إلى تراث وطني ينبغي حمايته وتثمينه لفائدة الباحثين والأجيال القادمة، مبرزا أن الوزارة تتوفر اليوم على أرشيف يمتد إلى سنة 1917، أي أكثر من قرن من الوثائق ذات القيمة التاريخية والمعرفية.
ودعا الأستاذ شفيقي إلى شراكة حقيقية بين وزارة التربية الوطنية ومؤسسة أرشيف المغرب من أجل جمع وتصنيف ورقمنة هذا الرصيد، سواء المتوفر في الإدارة المركزية أو الموزع عبر مؤسسات تعليمية عريقة كـثانوية عبد الله بن ياسين جنوب المغرب، وثانوية محمد الخامس بمراكش، التي تتوفر على أرشيف غني قد لا يوجد حتى في المركز؛ مشيرا إلى أهمية التوثيق في رصد مسارات الإصلاح التربوي، مقترحا تعبئة الباحثين والجامعيين، إلى جانب مؤسسة أرشيف المغرب، لإحياء هذا التراث الوثائقي وتفعيله في صلب الإصلاحات التربوية الجارية.
أما الدكتور محمد الملوكي، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر بأكادير، فركز في مداخلته على موقع الأرشيف داخل الجامعة المغربية، لا من زاوية التدبير الإداري فحسب، بل من خلال تفاعله مع مجالات البحث والتكوين الأكاديمي، خصوصا في حقلي التاريخ والعلوم الإنسانية؛ مبرزا أن الوثائق الإدارية تشكل مادة بحثية أصيلة، تتضمن معطيات غزيرة قد تفوق أحيانا من حيث المصداقية الوثائق التقليدية أو الشهادات الشفوية.
ودعا الزسوتاذ الملوكي ضرورة اشتغال كل باحث جامعي على أرشيف مؤسسته، والاهتمام به توثيقا وتصنيفا وإتاحة، في إطار مشاريع تعاون مع مؤسسات متخصصة كأرشيف المغرب، بما يعزز من ثقافة الذاكرة داخل الحرم الجامعي.
من جهته، شدد الدكتور عبد السلام انويكة، أستاذ باحث في المركز الجهوي للتربية والتكوين فاس-مكناس، على أن الأرشيف ليس فقط وثيقة صامتة، بل هو حامل لهوية المجتمع ومرآة لتاريخه، وعنصر مركزي في ترسيخ قيم المواطنة؛ مؤكدا أن دمج الأرشيف في العملية التربوية هو رهان من شأنه الارتقاء بجودة التعليم وربط الناشئة بذاكرتهم الجماعية؛ مشيرا إلى التحديات المرتبطة بتدبير الأرشيف على المستويات الجهوية والوطنية، معتبرا أن مؤسسة أرشيف المغرب، رغم حداثة عهدها (تأسست سنة 2011)، تبذل مجهودات جبارة في هذا المجال، غير أن حضور الأرشيف في السياسات التربوية ظل محتشما رغم الإشارات التي حملها الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
وختم السيد انويكة مداخلته بالتأكيد على أن الأرشيف أداة للحكامة الجيدة، وللافتحاص، ولصيانة الذاكرة الوطنية، وهو بالتالي مكون تربوي وثقافي لا يمكن الاستغناء عنه في بناء مجتمع المعرفة.