يغادرن الرواق الذي اصطدن بين رفوفه غنيمة اليوم. أياديهن محملة بأكياس مليئة بالكتب. تقاسيم وجوههن توحي بالبهجة والراحة وكأن أحدهم داخل الرواق زف إليهم خبرا سعيدا. هكذا يبدو حال فاطمة الزهراء وزينب وهبة، زميلات وصديقات، أتعبهن انتظار اجتياز امتحان السنة الأولى بكالوريا، الذي أجل زيارتهن لأروقة الكتب باللغة الإنجليزية، في المعرض الدولي للنشر والكتاب، قبل أن يعزمن، هذا الصباح من يوم الخميس 08 يونيو 2023، على التوجه إلى المكان الذي يستنشقن فيه نسيم القراءة.
"إلى جانب كونها تثير إعجابي، فالقراءة باللغة الإنجليزية تجعلني أحس بالراحة وأفكر كما يفكر المتحدث باللغة الإنجليزية. فالكتب المترجمة تغفل عن معلومات وأفكار قوية عبر عنها الكاتب الأصلي للكتاب"، تسرد فاطمة الزهراء دوافع استهلاكها للكتب باللغة الإنجليزية وعينها مركزة على عناوين الكتب التي تقبض عليها بشدة.
تحكي زينب، وهي تلميذة بالسنة الأولى بكالوريا، ويدها تنوء تحت ثقل الكيس المليء بالكتب التي اشترتها هذا الصباح: "أفضل قراءة الكتب الإنجليزية بالضبط لرغبتي في التعرف واكتشاف ثقافة الكاتب وثقافات أخرى دون الحاجة إلى السفر إلى دول بعيدة، فأستطيع بذلك أن أطل على النوافذ الثقافية للأخرين بجهد ووقت أقل"، تضيف زينب، في محاولة منها لاسترجاع ما علق في ذهنها من أخر الصفحات التي قرأتها: "قراءتي للكتب الإنجليزية كونت في ذهني فكرة عن ثقافة اللباس والأكل والعمران والتاريخ عند الآخرين".
يساهم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي هو الأخر في مواظبة فئة الشباب على قراءة الكتب باللغة الإنجليزية. تقول زينب، تلميذة أخرى في ربيعها السابع عشر، وهي تجمع كتاب تلو الآخر بلهفة واضحة: "الانفتاح على الكتب الإنجليزية بالنسبة لفئة الشباب يرجع أساسا إلى تعرفهم على أناس من دول أجنبية، يتحدثون اللغة الإنجليزية، كالولايات المتحدة الأمريكية، فتصبح بذلك اللغة الإنجليزية ضرورية للتواصل معهم وفهم أفكارهم". وعن الظواهر الجديدة التي رافقت انتشار مواقع التواصل الاجتماعي عبر مختلف دول العالم، تستحضر زينب، وأناملها تمر عبر شاشة هاتفها الذكي على أهم المواقع الإلكترونية الخاصة بتعريف وترويج الكتب الإلكترونية المشهورة: "مؤخرا ظهرت عادات إلكترونية جديدة من بينها "Booktalk" وهو عرض قصير عن كتاب بهدف إقناع الآخرين على قراءته، خاصة الكتب التي لقت شهرة كبيرة عبر العالم".
قبيل إنهاء سرد الدوافع التي تشجعها على قراءة الكتب باللغة الإنجليزية، أشارت زينب إلى ما اعتبرته ميزة حسمت توجهها إلى رفوف المكتبات التي تحتضن إنتاجات الكتاب والمبدعين الأنغلوفونيين، دون غيرها من الإنتاجات المكتوبة بلغات أجنبية أو محلية أخرى، وقالت: "الكتاب باللغة الإنجليزية يجعلني أنفتح على مجموعة من المواضيع التي لا يجرؤ كتاب أخرون من لغات وبلدان أخرى على اقتحامها".
وأعزت التلميذة زينب، التي لا توحي نبرتها وطريقة كلامها ومستوى تحليلها على عمرها الذي لا يتجاوز السابع عشرة، عمق الكتابات بالإنجليزية إلى "حرية التعبير التي يتمتع بها الكتاب الذين يكتبون باللغة الإنجليزية مقارنة بالكتاب بلغات أخرى الذين يتحفظون بسبب ما تفرضه القيود الثقافية والمجتمعية على تناول المواضيع بجرأة أكبر".
وعن نوعية الكتب التي تطغى على رفوف أروقة المكتبات ودور النشر التي تعرض كتبا بالإنجليزية خلال مشاركتها بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، يؤكد رشيد الشافعي العلوي، موزع ومستورد للكتب الإنجليزية من بريطانيا، أن "معظم الكتب التي أعرضها في الرواق، وتلقى رواجا كبيرا، هي كتب تهم مجال التنمية الذاتية وكتب علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة، إلى جانب كتب تعليم اللغة الإنجليزية وكل ما يتعلق بالنحو والقصص الكلاسيكية". "الفئة العمرية التي تداوم على زيارة الرواق الذي أشرف عليه هي فئة ما بين 17 و35 سنة" يصرح العارض وعيناه تركزان على زوار رواقه وكأنها تحصيهم واحدا واحدا، ثم يضيف: "ما يثير في بعض الأحيان استغرابي ودهشتي الممزوجة بنوع من السعادة النفسية، هو إلحاح بعض الشباب في طلب كتب لم يمر وقت طويل على إصدارها في العالم الغربي، خاصة في أمريكا وبريطانيا"