ليسَ سيرة بالمعنى الكامل للسيرة الذاتية وليس رواية ولا حتى قصيدة، بل هو نص بين هذا وذاك، منزلةٌ وسطى لا تقبلُ تصنيفاً صارماً. هذا هو باختصار المؤلف الأخير الصادر عن المركز الثقافي للكتاب، للأديب عبد الإله بلقزيز. الذي عنونهُ ب" أول التكوين". وضمنه كما يحيل العنوان بداياته الأولى.
للحديث عن بداية حكاية بلقزيز، احتضن رواق وزارة الشباب والثقافة والتواصل، لقاءً بحضور صاحب الكتاب عبد الإله بلقزيز والناقد المغربي محمد الداهي، الذي قدم قراءة في الكتاب بالنيابة عن الأستاذ محمد المعزوز، الذي اعتبر هذه التجربة الفريدة في التأليف "سمواً عن المكان والزمان والذاكرة حتى.."، معتبرا أن الموصوف الحسي واسترجاع الذاكرة وحدها يُفقد حرية التخييل وتصبح عندها الكتابةُ "تقريرا بارداً ليس إلا..".
"لم يكتب عبد الإله بالقزيز في هذا الإصدار نفسهُ فحسب، ولم يستدع ذاكرته الشخصية وحدها، بل كتب من خلال قصته قصة جيلٍ بأكمله"، يقول الأستاذ محمد معزوز في هذا الصدد " إنه كتب عن جيل تعرض لأعطاب في التنشئة الاجتماعية ولكنه أيضا عرف كفاحا ذاتيا.. هذا الجيل الذي حقق فيما بعد انتصارات كثيرة". هذا النقد الذي تمثل في الثنائيات التي وظفها الكاتب على طول صفحات الحكي، فنجد "ثنائية الحرمان والإشباع.. الجسد الذكوري والجسد الأنثوي.. الموت والحياة.. الحزن والفرح.." كل ذلك تعبيرا عن نُدبِ الماضي وهواجس الجيل الذي انتمى إليه.
أما صاحب المؤلف، فأجاب عن سؤال الدافع نحو كتابة الذاكرة أو ما تبقى منها، بجملة يقول فيها: "هو الحنين إلى البراءة الأولى.. إلى زمن البساطة والرضى وحتى الألم" وهو بهذا المعنى يقر بأن الكتابة قبل أن تكون توثيقاً هي فن المحاكاة بجمال وشاعرية. وأكد بلقزيز أن كل ما كتبه عن نفسه ليس سيرة على الإطلاق "إنها ملتقطات وشواهد من ماض لم يمت بداخله..". ولذلك تحديداً اختار الكاتب أن يقسم هذا الكتاب إلى شطرين، الأول يحكي حكاية الصبا والشغب الطفولي الأول ثم مرحلة الشباب بكل مطامعها عنفوانها. فيما الشطر الثاني فيقصُّ الحكاية من زاوية نظر رجل كهلٍ رآى من الحياة ما يكفي من أجل الكتابة.
"كنت في آخر الكتاب أحاسب الطفل أو الشاب الذي كنته.." ويمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح في تناوب استخدام ضمير المتكلم والمخطاب. في بداية الكتاب كانت "أنا" وفي نهايته كانت "أنت"".