استحضر أكاديميون عاشروا الناقد الأدبي المغربي الراحل بنعيسى بوحمالة، مسار الرجل وأثره الفكري يوم 15 ماي في ندوة نظمت ضمن فعاليات الدورة التاسعة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب.
وقال السيد محمد عفط، رئيس شعبة اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس، إن الراحل بنعيسى بوحمالة من تلك القامات التي لا نستشعر أهميتها إلا بعد أن نفقدها، مسترجعا ذكرياته مع الراحل على مدار ثلاثين سنة، "كان فيها صورة للمثقف الموسوعي والإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قبل أن يكون الأستاذ أو الناقد".
وأضاف المتحدث أنه رأى طيلة تلك الفترة ذلك الرجل الهادئ والذي يضبط نفسه، "حريصا على رابط الصداقة فلم يعكر صفو تلك العلاقة العظيمة التي جمعت بيننا ولو يوما واحدا"، مضيفا أنه لطالما نظر إلي بوحمالة كأستاذ له بالرغم من كونهم زملاء؛ "لأنني لم أتعرف على النقد الحديث إلا بفضل اثنين؛ هما الجالس على يساري، الأستاذ علال الحجام، والراحل بنعيسى بوحمالة".
ويضيف محمد عفط أنه كان للراحل صوت خاص ومميز، "حين كنت أستمع إليه عند إلقاءه للمحاضرات بمدرج الجامعة، لم أكن أسمعُ لما يقوله وحسب، وإنما كيف يقوله لأنه رحمه الله كانت له لغة جميلة". كما أكد على الأثر الطيب للراحل الذي زرع بذورا طيبة، "وأكبر دليل على ذلك نجله الحاضر معنا".
من جهته، تحدث الأكاديمي والشاعر علال الحجام، الذي تولى تسيير اللقاء، عن بوحمالة الذي كان أكاديميا موسوعيا فقد الأدب المغربي والعربي برحيله قامة من الصعب تعويضها، "ويكفي أن نلقي نظرة على كتاب "أيتام سومر" لنشعر بهذه الموسوعية التي تتبدى في أدنى تجلياتها في الهوامش التي تأخذ نصف صفحة أحيانا".
كما استحضر المتحدث نفسه المحبة التي كان يتميز بها، وأضفاها على طلابه وزملائه، قبل أن يضيف: يكفيه فخرا أن كليات الآداب ومدارس النقد في الشعر العربي الحديث، لا يسعها تجنب قراءة كتابيه المرجعيين: "أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر"، و "النزعة الزنجية في الشعر السوداني المعاصر: محمد الفيتوري نموذجا".
وقرأ علال الحجام على مسامع حضور "قاعة تواصل"، رسالة تلقاها قبل بداية اللقاء بدقائق من الكاتب والمترجم المغربي اسماعيل أزيات، قال فيها إن بنعيسى بوحمالة كان كاتبا وباحثا متفردا دمغته الخصوصية (...) وما الكاتب المبدع إلا ذلك الذي له نغمة لا تشابه النغمات الأخرى.
وفي مداخلته، قرأ الشاعر محمد الصالحي، رفيق الراحل بنعيسى بوحمالة، مدونة يومية تؤرخ لأسبوع قضاه الاثنان بالقاهرة لحضور فعاليات مؤتمر قصيدة الشعر الثاني. وهي عبارة عن أوراق شعرية تفكرية تصور تفاصيل رحلتهما بلد مصر، تبتدأ يوم الأحد وتنتهي يوم السبت.
من جانبه، ذكر زكرياء بوحمالة، نجل الفقيد والباحث في سلك الدكتوراه، أن علاقته بوالده يمكنُ أن تلخّصَ في كلمة واحدة، هي "الإنصات". فـ"كلما تواصلت معه إلا وأبدى لي ضرورة الإنصات بتمعن...أن أكون معيرا له كل الاهتمام، وقد كان لهذه القيمة أثر قوي علي".
بدوره، قال عبد الرحيم أخ العرب، الأستاذ الباحث المتخصص في الأدب الحديث والنقد، والذي عرف الراحل عن كثب بالمدرسة العليا للأساتذة بجامعة مولاي اسماعيل، إن بنعيسى بوحمالة "قد كان ولازال علما من أعلام الثقافة المغربية".
وذكر المتحدث أن الراحل تلقى تكوينه الأول في مدرسة الفتح بحي الزيتون بمدينة مكناس؛ التي أسستها سنة 1946 الحركة الوطنية من أجل تلقين الجيل الجديد قيم "تمغربيت" خوفا من الاستلاب الثقافي، وفيها تعلم القيم المغربية العريقة والمواطَنة الحقة.
واستعان المتخصص في الأدب الحديث والنقد، ببيت شعري لتوصيف حالة النقد المغربي والعربي بعد وفاة بنعيسى بوحمالة قائلا: "وما هلكُ بنعيسى بوحمالة هلكُ إنسان واحد، ولكنه بنيان تصدَّع".