بين حرية التعبير ومتطلبات الالتزام القانوني.. الصحافة في ميزان النقاش المؤسساتي

بين حرية التعبير ومتطلبات الالتزام القانوني.. الصحافة في ميزان النقاش المؤسساتي
بين حرية التعبير ومتطلبات الالتزام القانوني.. الصحافة في ميزان النقاش المؤسساتي (1)
بين حرية التعبير ومتطلبات الالتزام القانوني.. الصحافة في ميزان النقاش المؤسساتي (1)
لقاءات
بين حرية التعبير ومتطلبات الالتزام القانوني.. الصحافة في ميزان النقاش المؤسساتي
بين حرية التعبير ومتطلبات الالتزام القانوني.. الصحافة في ميزان النقاش المؤسساتي (1)

في إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، احتضن رواق رئاسة النيابة العامة يوم الأربعاء 23 أبريل 2025 ندوة فكرية وقانونية تحت عنوان "العمل الصحافي بين الحرية والالتزام"، بمشاركة نخبة من الخبراء والمسؤولين في المجالين القانوني والإعلامي، ناقشوا خلالها الإشكاليات المرتبطة بممارسة الصحافة في السياق المغربي، ومدى توازنها بين حرية التعبير والضوابط المهنية والقانونية.

أدار الجلسة الأستاذ محمد لمرابط، رئيس شعبة التفقد القضائي وتتبع تقارير تقييم الأداء القضائي لدى رئاسة النيابة العامة، الذي أكد في تقديمه أهمية الانفتاح المؤسساتي على النقاش العمومي في ظل التحديات التي تطرحها الممارسة الصحفية المعاصرة، بين مقتضيات النصوص القانونية ومتغيرات الواقع الإعلامي الرقمي.

الحق في المعلومة ومواجهة الأخبار الزائفة: رؤية رئاسة النيابة العامة

افتتح النقاش الأستاذ حسن فرحان، رئيس وحدة قضايا الصحافة برئاسة النيابة العامة، مبرزاً الأهمية البالغة التي يكتسيها الحق في الحصول على المعلومة في إطار حرية الصحافة، مستنداً إلى القانون 31.13، الذي يعزز هذا الحق بالنسبة للصحفي والمواطن على السواء.

وأوضح أن ممارسة هذا الحق يجب أن تتم وفق ما ينص عليه ميثاق أخلاقيات المهنة، خاصة الفصل 6 منه الذي ينص على الحصول على المعلومة من مصادر موثوقة.

وأضاف السيد فرحان أن الأخبار الزائفة أصبحت تمثل تهديداً للمجتمع وللمهنة، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة غالباً ما تعود إلى غياب التأكد من المصادر، وضعف التكوين في المجال المهني. وأكد أن النصوص القانونية، رغم تعددها، غير كافية وحدها للتصدي للظاهرة، مما يجعل من المقاربة الزجرية خياراً مطروحاً إلى جانب المقاربة التحسيسية والتوعوية.

واستعرض فرحان الجهود التي تبذلها رئاسة النيابة العامة، من خلال استراتيجية تواصلية تعتمد على البلاغات والندوات، وكذا إصدار قرارات تنظيمية تيسر الحصول على المعلومة. كما أكد على ضرورة تكاثف جهود كافة الفاعلين من سلطات، وإعلام، ومجتمع مدني، لمواجهة انتشار الأخبار الكاذبة، لا سيما في أوقات الأزمات أو القضايا المتعلقة بالدين والنظام العام.

الأخلاقيات بين النصوص والواقع المهني

من جانبه، تطرق الأستاذ عبد الوهاب الرامي، أستاذ التعليم العالي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، إلى موضوع "أخلاقيات مهنة الصحافة بين النص والواقع"، معتبراً أن الأخبار الزائفة ليست مجرد خروقات للمصداقية، بل تدخل ضمن ما وصفه بـ"التفضيل الإعلامي"، حيث يتم انتقاء المعطيات بشكل مضلل يخدم أجندات معينة.

وانتقد الرامي غياب رؤية نسقية في التعامل مع ميثاق الأخلاقيات، مبرزاً أن الممارسة الصحفية تتطلب؛ معرفة معمقة بالمواضيع والتخصصات، وإلماماً بالجوانب القانونية، ووعياً حقوقياً باعتبار أن كل بند أخلاقي هو ترجمة لقيم حقوقية، إلى جانب تفاعل فعال مع القوانين، إذ إن الجنحة الإعلامية غالباً ما تكون أخلاقية في جوهرها قبل أن تُدرج ضمن المخالفات القانونية، كما هو الحال في واجب التصويب والتصحيح.

كما أشار إلى الإشكالية المتعلقة بممارسة الصحافة من قبل غير الحاملين للبطاقة المهنية، ما يفتح النقاش حول الفرق بين الصحافة كمهنة منظمة والصحافة كممارسة مجتمعية. وأثار سؤال الشفافية داخل المؤسسات الإعلامية، سواء على مستوى القرار التحريري أو علاقة الصحفي بمصادره وبمؤسسته.

حماية الحياة الخاصة في ضوء النصوص الوطنية والدولية

في مداخلته، ركّز الأستاذ الجيلالي عكبي، رئيس وحدة النشر والتوثيق برئاسة النيابة العامة، على الإطار القانوني لحماية الحياة الخاصة، مستعرضاً الفصل 24 من الدستور المغربي، الذي يكرس هذا الحق، لكنه أشار إلى الغموض الحاصل في تعريف "الحياة الخاصة".

وأكد أن هناك تداخلاً بين هذا الحق وحق الحصول على المعلومة، مستعرضاً الاستثناءات الواردة في القوانين، لا سيما قانون 88.13 و89.13، إضافة إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على حماية الخصوصية. ولفت إلى أن الحق في الصورة أصبح اليوم من أبرز تجليات حماية الحياة الخاصة، مذكراً بأن المشرع المغربي لم ينص عليه سابقاً إلا في إطار المساس بالشرف، قبل أن يصدر قانون 89 الذي نص عليه صراحة.

 

غير أن عكبي أقر بأن النصوص القانونية، رغم تحديثها، تبقى غير كافية لمواكبة انتهاكات الحياة الخاصة في ظل التطور التكنولوجي السريع، داعياً إلى تطوير المنظومة القانونية لمزيد من الحماية.

القضاء كضامن للحرية ومسؤول عن الردع

أما الأستاذ عبد العزيز البعلي، نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بسطات، فقد تناول موضوع "قانون الصحافة في العمل القضائي"، مبرزاً أن هناك "منطقة رمادية" في بعض القضايا الإعلامية، حيث قد لا يعاقب القانون بشكل مباشر على بعض الأخبار الزائفة، ما يجعل من القيم الأخلاقية رادعاً موازياً.

وأشار إلى أن قانون 88.13 شكّل نقلة نوعية، وكان للقضاء دور في صياغته ومراجعته. وأوضح أن القانون يحمل طبيعة "حمائية" للصحفي، خاصة في الجوانب الإجرائية، مثل ما تنص عليه المادة 95، التي تحدد التراتبية في المتابعة القضائية وتمنع ملاحقة الصحفيين بشكل عشوائي.

كما أكد البعلي أن القضاء مطالب اليوم بمواجهة تحديات جديدة، على رأسها الجريمة الإلكترونية العابرة للحدود، وتحديد الجهة القضائية المختصة في حالات الانتهاك الإعلامي.

التزامات المغرب الدولية في مجال الصحافة

اختتمت المداخلات بمساهمة الأستاذ سعيد تمام، رئيس مصلحة الشؤون القانونية بقطاع التواصل بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، الذي ناقش مدى تطابق التشريع المغربي مع المراجع الدولية في مجال حرية الصحافة.

وأكد أن ممارسة الصحافة هي حق، لكن يقابله واجب، وأن التشريعات الوطنية (القوانين 88.13، 89.13، و90.13) مستلهمة من المعايير الدولية، وتتماشى مع الالتزامات التي وقع عليها المغرب، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وأشار إلى أن هذه التشريعات تهدف إلى تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية أمن الدولة، والحياة الخاصة للأفراد، في انسجام مع الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية التي يعتبر المغرب طرفاً فيها.

في ختام الندوة، شدد مسير الجلسة، الأستاذ محمد لمرابط، على أهمية تعزيز الحوار بين مختلف الفاعلين القانونيين والإعلاميين، معتبراً أن النهوض بمهنة الصحافة يتطلب تجاوز المقاربات المنعزلة نحو رؤية جماعية تشاركية تضمن حرية التعبير وتحترم في الآن ذاته القانون والأخلاقيات المهنية.

WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE