احتضنت إحدى قاعات الندوات داخل فضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب، يوم الخميس 16 ماي 2024 ، جلسة ضمت ثلة من الفاعلين والباحثين في الثقافة الأمازيغية، للحديث عن راهنية الإعلام الأمازيغي وإسهاماتها وتأثيراتها على اللغة الأمازيغية في إطار صيانتها نحو المعيرة.
وشارك في اللقاء التواصلي الأستاذ الباحث في الإعلام والاتصال، عبد الوهاب العلالي، والباحث في الثقافة الأمازيغية أحمد عصيد، والإعلامي الأمازيغي ورئيس التحرير بقناة تمازيغت عمر إسرى، فيما تولى مهمة التسيير الإعلامي والإذاعي عبد الله الطالب علي.
استهل رئيس التحرير بقناة تمازيغت، عمر إسرى، حديثه حول مسار إدماج الأمازيغية في الإعلام المغربي، بداية من 1938، مع إدماج تعبير من تعابير اللغة الأمازيغية في الإذاعة من خلال تخصيص عشر دقائق لتعبير تشلحيت، ليأتي بعد ذلك سنة 1952 إدماج تعبير تمازيغت بنفس الكيفية وصولا لسنة 1955 بتخصيص عشر دقائق لتريفيت، وفي سنة 1974 تم رفع المدة الزمنية المخصصة للأمازيغية باثنا عشر ساعة ثم أربع وعشرون ساعة بعد ذلك.
وتابع المتحدث حديثه حول المسار التاريخي موضحا أن إدماج اللغة الأمازيغية في التلفزة كان عن طريق نشرة اللهجات، ليأتي فيما بعد الخطاب الملكي في أجدير، والذي أقر الأمازيغية كمكون رئيس وأساسي في الهوية الوطنية والثقافة المغربية، ليتم بعد ذلك تخصيص بعض المواد الإعلامية في القناتين السادسة والأمازيغية.
وأشاد إسرى بتجربة القناة الثانية سنة 2006 حين تم الشروع في بث نشرة إخبارية باللغة الأمازيغية لأول مرة، تمزج بين جميع اللهجات تشلحيت وتريفيت وتمازيغت، تماشيا مع قرار التوجه نحو التوحيد ومعيرة اللغة الأمازيغية ومن هناك تم التأسيس للخلية الأولى للأمازيغية إعلاميا. وبعده التأسيس للقناة الأمازيغية سنة 2010 واختيار المزج بين جميع التعابير في جميع المواد الإخبارية.
ومن منطلق تجربته الإعلامية، طرح المتحدث إشكاليات متعددة حول كيفية توظيف اللغة الأمازيغية، خاصة المصطلحات الجديدة كمشتقات جديدة متداولة، متسائلا حول استعمال التعابير المتداولة قصد الحفاظ على الرسالة الإعلامية وضمان وصولها بشكل فعال مع مواكبة التطورات التي تعرفها الأمازيغية في اتجاه المعيرة.
من جهته قدم الأستاذ محمد عبد الوهاب العلالي عرضا حول الأمازيغية والتحديث والحداثة، منطلقا من إشكالية استثمار الفضاء السمعي البصري للتفاعل الثقافي الدولي وتطوير رؤية التنوع الثقافي وجعل الثقافة الأمازيغية كهوية للتعبير في آفاق دولية.
وطرح الأستاذ العلالي سياسات التحديث التي رافقت الأمازيغية طيلة السنوات الماضية انطلاقا من مرحلة الاستعمار والظهير البربري، وصولا لقرار ترسيم اللغة الأمازيغية بعد خطاب أجدير والذي كان للمؤسسة الملكية دور كبير فيه بالإضافة للفاعلين والسياسيين والنشطاء والباحثين. ومع دستور 2011 أصبحت الأمازيغية مقننة بالدستور لكنها تمزج بين نزعتين؛ الأولى تحتفظ بالتحديث القديم والثانية تدخل نحو الحداثة.
وأشاد الأستاذ العلالي أن "سوسيولوجيا الإعلام الأمازيغي لها القدرة على تحليل ودراسة المحتويات التي يتم إنتاجها" حيث ستمكن الفاعلين في المجال الإعلامي من بلورة خطاب أمازيغي رصين يفهمه الجميع، وبالتالي المساهمة في تحديث وتطوير الإعلام الأمازيغي.
بدوره لخّص الباحث في الثقافة الأمازيغية أحمد عصيد مجمل التحديات التي تترصد الإعلام الأمازيغي في المغرب وعلى رأسها إشكالية الشعور بالانتماء؛ حيث جزم "بوجود قطيعة بين المغاربة وتاريخهم الأمازيغي، وطمس للعديد من الاكتشافات بهذا الخصوص".
وتابع الباحث في الثقافة الأمازيغية حديثه عن التحدي الثاني المتعلق بالتحدي المعرفي، المرتبطة بالثورة المعرفية التي يجب توفيرها للمواطنين من أجل "إعادة اكتشاف ذواتهم والمعنى الحقيقي للمغاربة". وأكد أن هذه "الأصالة التي تنطلق من الذات هي ما ستكمن الأفراد من التطور والإبداع".
وفي نفس السياق، استنكر عصيد غياب الأبحاث الأمازيغية الحديثة عن المقررات المدرسية، معتبرا ذلك بالتحدي الديمقراطي الذي يمكنه أن يعزز الشعور بالانتماء لدى المغاربة تجاه هويتهم، وبالتالي "تحقيق الدمقرطة".
وأضاف المتحدث في حديثه عن التحديات التي تعيق تطوير الإعلام الأمازيغي موردا التحدي التنموي الذي يمكنه أن يسهم في انخراط المواطن في مشاريع الدولة، بالإضافة إلى تحدي التكوين الذي يقصي في كثير من الأحيان الإعلاميين والصحفيين في اللغة الأمازيغية.
وعبر المتحدث في مداخلته عن ضرورة قيام "الإعلام الأمازيغي بدوره في الترسيخ الديمقراطي في بناء الوعي الوطني المتوازن، وفي تعريف ناس ما يوجد من مكنون وثروات رمزية ليعيد للناس ممتلكاتهم التي فقدوها بسبب السياسات السابقة"، مع تخصيص قسم خاص باللغة الأمازيغية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال كما هو الحال في قسم اللغة العربية والفرنسية، موضحا أنه "لا يمكن أن نطلب من خريج المعهد بالحديث باللغة الأمازيغية وهو لم يتخصص فيها".