نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025، ندوة فكرية ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، تحت عنوان "الصناعات الثقافية والإبداعية: رافعة للتنمية والحقوق"، بمشاركة الكاتب والباحث إدريس كسيكس، ومدير مؤسسة "هبة" مروان فشان، وتولى تسييرها الصحفي وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان سابقًا، محتات الرقاص.
ركزت الندوة على أدوار الصناعات الثقافية والإبداعية في تعزيز الحق في الثقافة وتحقيق التنمية المستدامة، مع تسليط الضوء على سبل مشاركة المجتمعات المحلية، خاصة في المناطق المهمشة، في النسيج الثقافي الوطني، بما يساهم في خلق فرص عمل وتحقيق العدالة المجالية.
في مداخلته، اعتبر الكاتب إدريس كسيكس أن الصناعات الثقافية ليست فقط آلية اقتصادية، بل تعبير عن التنوع الثقافي ووسيلة لضمان الحق في التعبير وتعزيز الإبداع. وأشار إلى أن مصطلح "الصناعة الثقافية"، رغم أصله النقدي، تطور ليصبح مفهومًا أساسيًا في السياسات الثقافية الدولية، منذ أن تبنته اليونسكو في ثمانينيات القرن الماضي.
وأوضح كسيكس أن المغرب بدأ يشتغل على هذا المفهوم قبل حوالي عشر سنوات، خصوصا من خلال المبادرات الخاصة، قبل أن تنخرط فيه المؤسسات العمومية تدريجيًا، مثل وزارة الثقافة، مستشهداً بـمهرجان كناوة كنموذج لصناعة ثقافية موجهة للعالم، وليس فقط للاستهلاك المحلي.
واعتبر المتحدث أن الإشكال لا يكمن فقط في الإنتاج الثقافي، بل في ضعف تقنيات كتابة المشاريع، وقصور السياسات الثقافية التي تركز على العرض دون الاهتمام بالطلب، بالإضافة إلى "تراجع نسبة القراءة" وندرة المكتبات المدعومة (فقط 45 مكتبة)، وضعف ميزانيات قاعات العرض والتوزيع الثقافي.
وأضاف أن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لا تزال في حاجة إلى تطوير ومتابعة، مشيرًا إلى أن الرقابة الاقتصادية والقيود غير المباشرة تعيق أحيانًا حرية التعبير والإبداع، داعيًا إلى الاعتراف بالدور المركزي الذي تلعبه المدرسة والإعلام باعتبارهما الحاضنين الرئيسيين للثقافة.
أما مروان فشان، مدير مؤسسة "هبة"، فقد أكد في مداخلته أن الثقافة ليست ترفًا، بل بُعد أساسي لفهم الواقع وتفسيره. وقال: "الثقافة تمنحنا نظرة تحليلية أعمق للعالم، ودورها لا يمكن إنكاره سواء كنا في تاوريرت أو الرباط". واعتبر أن المغرب بحاجة إلى عرض ثقافي عادل وذي جودة يشمل مختلف المناطق، داعيًا إلى استثمار الإمكانيات الاقتصادية الكبرى التي توفرها الصناعات الثقافية.
وشدد فشان على أن العالم اليوم يُقدر مساهمة الثقافة بنسبة 4.5% في الناتج الداخلي الخام، في حين يفتقر المغرب إلى آليات دقيقة لرصد مساهمة هذا القطاع الحيوي، مؤكدًا أن الفرص موجودة، لكنها تحتاج إلى رؤية استراتيجية وتقاطعات ذكية مع قطاعات أخرى، مشيرًا إلى إمكانية ربط الثقافة بالأحداث الكبرى مثل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.
وخلصت الندوة إلى ضرورة تعزيز السياسات الثقافية، وتمكين الفاعلين المحليين من الأدوات والدعم اللازم لتطوير المشاريع الإبداعية، مع التأكيد على أن الحق في الثقافة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.