في إطار فعاليات الدورة 30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، نظم جناح منظمة الإيسيسكو يوم الجمعة 25 أبريل 2025 ندوة فكرية تحت عنوان؛ "من سلطة الكتاب إلى ثورة الإعلام الرقمي: أي موقع للأخلاقيات؟"، وذلك بشراكة مع منتدى الإعلام والمواطنة، وبحضور نخبة من المفكرين والخبراء والمهنيين في مجالي الثقافة والإعلام.
أدارت الندوة الإعلامية فاطمة الإفريقي، وشهدت مشاركة كل من الكاتب المسرحي والباحث أحمد مسعاية، والأستاذ الجامعي عدنان الجزولي، والخبير الدولي في الإعلام والاتصال الناجي جمال الدين. وقد تمحور النقاش حول العلاقة المتشابكة بين الكتاب الورقي والرقمي، وأثر الإعلام الجديد على تمثل المعرفة، مع تسليط الضوء على أزمة القراءة، وإشكالات أخلاقيات المهنة الإعلامية في الزمن الرقمي.
في مستهل مداخلته، عبر أحمد مسعاية عن قلقه إزاء ما وصفه بتراجع "سلطة الكتاب الورقي" لصالح هيمنة الوسائط الرقمية، موضحاً أن الأمر لا يجب أن يُفهم كمواجهة حتمية، بل كمفارقة نسبية تختلف بحسب السياقات. وأشار إلى أن بعض المجتمعات ما تزال تولي أهمية معتبرة للكتاب الورقي رغم شيوع الرقمي، لكن في الواقع المحلي، يغيب الكتاب عن البيوت مقارنة بالهواتف النقالة، وهو ما يطرح سؤال "ماذا نقرأ؟" وليس فقط "كيف نقرأ؟". كما نبه إلى خطورة التوسع المفرط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي الذي "صار يبدع ويترجم ويكتب"، محذراً من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة على القيمة الإنسانية للإبداع والمعرفة.
من جهته، قدم عدنان الجزولي مداخلة تأسست على أرقام وإحصائيات لافتة، مشيراً إلى أن نسبة الأمية في المغرب لا تزال تفوق 22%، وأن المواطن المغربي لا ينفق سوى 35 درهماً سنوياً على شراء الكتب، فيما لا يتعدى عدد العناوين المنشورة سنوياً 1800 عنوان.
كما طرح المتحدث تساؤلاً جوهرياً حول ما إذا كان الكتاب المغربي لا يزال يحتفظ بسلطته في المشهد الثقافي الراهن، ليجيب بأن هذه السلطة تراجعت بشكل ملحوظ، نتيجة مجموعة من العوامل، في مقدمتها صعوبة الولوج إلى الكتاب، خاصة في صفوف الطلبة، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للجوء إلى الوسائط الرقمية، دون أن يعني ذلك بالضرورة انخراطهم الفعلي في فعل القراءة. وأكد أن الجهود المبذولة من قبل الدولة والمجتمع المدني في مجال تحفيز القراءة، لم تنجح بعد في تحويلها إلى ممارسة يومية راسخة، مما يستوجب من وجهة نظره، إجراء بحوث ودراسات معمقة لفهم طبيعة هذا الانفصال القائم بين المواطن والكتاب، وتفكيك أسبابه المتداخلة.
أما الخبير الإعلامي الناجي جمال الدين، فقد قارب الموضوع من زاوية أخلاقيات المهنة الإعلامية في ظل التداخل بين الورقي والرقمي، حيث طرح إشكالية العلاقة الملتبسة بين القانون وميثاق الأخلاقيات، مؤكداً أن هناك تناقضاً بنيوياً في هذا المجال. فبينما تسعى الأخلاقيات لتوسيع مجال الحرية، يعمل القانون على تقييده وتنظيمه. وبيّن أن أخلاقيات المهنة لا يمكن أن تشتغل خارج القانون، لكنها تطمح في الوقت نفسه إلى ضبط نفسها ذاتياً، بعيداً عن تدخل الدولة. وخلص الناجي إلى أن في الأنظمة الديمقراطية، يُفترض أن يكون القانون نزيهاً بما يكفي ليفسح المجال أمام هيئات الضبط الذاتي لممارسة استقلاليتها في صياغة وتطبيق الأخلاقيات.
وأثارت الندوة نقاشاً غنياً بين الحاضرين، خاصة حول دور الإعلام الرقمي في تشكيل الوعي الجمعي، ومدى قدرة الكتاب الورقي على الصمود أمام طوفان التكنولوجيا، فضلاً عن أسئلة محورية تتعلق بمستقبل الصحافة في بيئة رقمية يسودها "تسيّب القيم"، كما وصفها أحد المتدخلين من الجمهور.