شهد المعرض الدولي للنشر والكتاب المنظم في دورته التاسعة والعشرين من 09 إلى 19 ماي 2024، في يومه الثاني، أمسية احتفاء وعرفان بالكاتب الراحل والمفكر وعميد الأدب "عباس الجراري"، استحضرت مسار قامة علمية بصمت تاريخا أكاديميا متميزا تجاوز صيته حدود المغرب.
تحت عنوان "في ذاكرتنا"، وبحضور زوجة الراحل حميدة الصايغ، وثلة من الشخصيات التي عايشته، كالأستاذ مصطفى الجواهري، محافظ نادي الجراري، والأستاذ فيصل الشرايبي استاد بجامعة عين الشق بالدار البيضاء والاستاذ عبدالحق عزوزي، رئيس كرسي تحالف الحضارات وعضو مجلس إدارة الجامعة الاورومتوسطية، كشفت الندوة عن جهد الراحل المكرس لإرساء وصيانة الأدب المغربي، ودوره الكبير في إغناء المكتبات المغربية والعربية بمؤلفات في مجالات مختلفة.
وعبرت زوجة المفكر عباس الجراري، السيدة حميدة الصايغ، في تصريحها عن حزنها الكبير في فقدان زوجها ورفيق دربها قائلة: "لست ادري ماذا أقول في هذه المناسبة، فاللسان ملجم والفراق صعب والألم قوي، ولكن احتسب كل عمله شفيعا له وسيلقى ربه راضيا عنه، والحمد لله أن الدولة كلها اعترفت بفضله ".
كما عبرت أرملة الراحل عن فرحتها بتعزية صاحب الجلالة الملك محمد السادس ووصفتها بكونها خير عزاء لها "لأن جلالة الملك اثبت في رسالته مكانة الفقيد العلمية" تقول السيدة الصايغ، مضيفة: "لقد مضت على وفاة الدكتور عباس الجراري ثلاثة أشهر وعشرون يوما عانيت خلالها الأمرين، الفراق أولا والوحدة ثانيا."
واسترجعت المتحدثة نفسها ذكرى لقائها الأول بالراحل عباس الجيراري، في مصعد بناية مكتب لجنة المغرب العربي بشارع عبد الخالق فرعت، في العاصمة المصرية القاهرة، أواخر شتنبر من عام .1956
وتابعت المتحدثة قائلة : "لم يكن في الحسبان أن ذلك اللقاء ستتولد عنه علاقة نمت شيئا فشيئا، وغدتها ظروف انتهت بارتباط وثيق باركه الأهل ووثقه سفير المغرب في القاهرة المرحوم احمد بنلمليح وأعضاء السفارة .
من ثمرات مجهود الراحل عباس الجراري التي استحضرتها أرملته، أن "رفع التعتيم عن الزجل بالمغرب، بنشره أول مؤلف فيه يحمل عنوان القصيدة الذي كان أطروحة دكتوراه، ثم استمر عملنا طوال 63 عاما لا نبغي سوى كشف الحجاب عن تراثنا الغزير والمتنوع، المعرّب والملحون، الأمازيغي والحساني، بدون تفريق أو استبعاد لجانب فكري أو أدبي أو ديني، مع انفتاح كبير تتحقق به الأصالة والمعاصرة."
وذكرت حميدة الصايغ بموقف جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني قائلة : "كنا نجد دائما في المتربعين على العرش العلوي المجيد خير محفز ومشجع، ومواقف جلالة المغفور له من المشروع الجراري لقيت كل ثناء ومواكبة."
وكشفت المتحدثة عن محطات تعيين عباس الجراري من طرف جلالة الملك محمد السادس، بدءا بتعيينه بالمدرسة المولوية، ثم تكليفه بمهمة في الديوان، والمشاركة في الدروس الحسنية، والخطابة في مسجد لالة سكينة، والتتويج بصفة مستشار جلالة الملك، وكذا اختياره لتمثيل المغرب في الحوار بين الأديان الثلاثة ومحاولة التنسيق بين المذاهب الإسلامية المختلفة وبناء الهوية الوطنية ."
من جانبه رئيس كرسي تحالف الحضارات وعضو مجلس إدارة الجامعة الاورومتوسطية، عبدالحق عزوزي، قال إن هذا اللقاء هام وتاريخي في حق واحد من كبار علماء المغرب، وكبار أدبائها وفقهائها، العلامة عباس الجراري، الذي يشهد له الخاص والعام بمسيرته الحافلة بالعطاء والتأليف والفكر، وتتلمذ على يده المئات بل الآلاف من الطلبة والباحثين والأساتذة الجامعيين والأكاديميين، موضحا مساهمة الفقيد التي تصل إلى أكثر من خمسين كتابا ومئات المقالات وله مريدون وأتباع وطلبة.
وأعرب الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عين الشق بالدار البيضاء، فيصل الشرايبي، عن اعتزازه بكونه تلميذ الراحل عباس الجراري، واصفه إياه بالقول: " كان الأستاذ عباس الجراري عطاء يمشي على رجليه، عطاء في الأخلاق وفي الموسوعية، وعطاء في الحذب والعطف على الطلبة، كان بابه مفتوحا دائما، هو واحد من القمم الأطلسية التي يجب أن نمجدها دائما، لأنه أعطى للأدب المغربي عربيه وشعبيه المكانة اللازمة.
واسترسل المتحدث نفسه قائلا : "البدرة التي بدرها في الجامعة المغربية تتعلق بالتراث الشعبي جعلته يتعرض لمضايقات كثيرة بسبب اهتمامه بالأدب الشعبي، ما دفعه لتسجيل دكتوراه الدولة في القاهرة، وهي رسالة كانت فاتحة خير على الأدب المغربي، خاصة في شقه الأمازيغي لان الامازيغية كانت تعاني من الاحتقار والتبخيس، كما طوق الراحل جيد المغرب بعقد من الجمال الأدبي والجمال العلمي. "