قدم الأكاديمي والشاعر حسن نجمي كتابه "فن العيطة" في حلة جديدة، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب المنظم في الرباط من 09 إلى 19 ماي 2024.
يعد هذا الكتاب ثمرة مجهود علمي، استعان فيه السيد حسن نجمي بكتب التاريخ والتراث الشعبي الموسيقي، كما تواصل مع رواد هذا الفن التراثي الغنائي، واطلع على تفاصيل حياتهم بدقة من أجل إنجاح هذا العمل.
شكل اللقاء فرصة لمناقشة عمل أكاديمي يسلط الضوء على موضوع العيطة باعتبارها موروثا ثقافيا مغربيا. وفي هذا السياق شدد السيد حسن نجمي على أهمية التأليف في تراث العيطة الغنائي الشعري والموسيقي، لأنها جزء من تراث أمة لها تاريخ عظيم وجزء لا يتجزأ من النسق الثقافي الوطني، "أي لها ارتباط جوهري عميق بالشخصية المغربية والهوية الثقافية"، مشيرا إلى أن هذا الموضوع ظل مهمشا ومنسيا طوال عقود، إلى أن جاء دستور 2011، الذي أعاد الاعتبار للمكونات الثقافية الوطنية وللروافد ذات الصلة بالهوية الجماعية للشخصية المغربية.
ويعتبر التأليف، حسب حسن نجمي، جزءا من عملية إعادة الاعتبار للمكونات الثقافية المغربية، مؤكدا أن "ليس هناك من مكون ثقافي أفضل من مكون آخر وليس هناك أسبقية لهذا التعبير على تعبير آخر، نحن في حاجة إلى صيانة تراثنا الثقافي الوطني بكل مكوناته وأشكاله وتعبيراته من غناء وموسيقى ورقص ومعمار ومخطوط ومهارات يدوية…"، مضيف: "عندما يموت شيخ كأن مكتبة احترقت".
وتعتبر العيطة فنا موسيقيا ينقسم إلى تسع مكونات، وفق ما أكد الأستاذ نجمي في حديثه عن كتابه "فن العيطة". ويضيف الكاتب أن هذا الفن يمثل ثقافة وطنية عظيمة تتوفر على 52 نوعا موسيقيا، و ضمن هذه الحزمة من الأنواع، تتواجد العيطة والملحون والركادة والموسيقى الأمازيغية والغناء الحساني إلى جانب أنواع أخرى، وأعطى الأستاذ نجمي في هذا السياق مثلا بـ”العيطة الحوزية”، التي تتضمن 11 قصيدة، إلا أنه لم يعد يتواجد منها سوى 5 أو 6 قصائد فقط.
ولفت الأستاذ نجمي إلى أن العديد من الشيوخ والشيخات الذين ساهموا في هذا العمل قضوا نحبهم، قبل مشاركتهم ما يكتمون من قصائد و"حبات" ، هي عبارة عن جمل شعرية قصيرة لها عدة أنواع مثل "بقاو فييا الحجلات تريشو حيات"، مشيرا إلى أن فقدانهم سيؤثر على الثقافة الشفاهية في المغرب التي تتعرض لعملية تفتت تهدد العيطة وقد تؤذي إلى انقراضها.
في هذا السياق أكد الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والتربية، الأستاذ محمد زرنين، ضرورة الانتباه لهذا الكتاب المميز لدواع واعتبارات نظرية، منهجية وموضوعاتية عدة، وذلك من منظور سوسيولوجي وأنتروبولوجي وفلسفي، واعتبره عملا مهما لمحبي سوسيولوجيا الثقافة والفن، يساعد في عملية غسل الأذن "للإنصات للحن وصوت ومعاني صوتٍ اعتبر حتى تاريخ معين بأنه لا يتكلم"، وكذا غسل العين لمشاهدة "الفرجة والاحتفاء بهبة الجسد في فعالية العيطة من منظور مغاير".
واعتبر الأستاذ زرنين هذا الكتاب مهما لأن العيطة أولا هي موضوع مركب، وأحد مظاهر قيمة هذا الكتاب هو أنه نجح في إبراز الطابع المركب للعيطة والتي لم يبسّطها بل راع تركيبها، مظهرا تاريخية معينة للعيطة ذات الأصول القديمة، مبرزا كذلك ارتباط العيطة بالتناقل الشفوي، الأمر الذي يسجلها ضمن ملحمة الذاكرة الذي نجح الكتاب في ضبطها. كما أشار الأستاذ زرنين إلى ارتباط العيطة بالسياق الثقافي أيضا، مما "يجعلها بناء للعالم وللأحاسيس وللمجازات التي تحيا بها الجماعات وتبني بها معاني ارتباط بالزمن الماضي والحاضر والمستقبل"، وبالأماكن والفضاءات، وبالتالي فهذا المعنى السياقي التاريخي هو ما يغذي حياتها وعروقها.
ويرى الشاعر والروائي والناقد الأدبي منير السرحاني في هذا الصدد، أن هذا الكتاب يشكل استثناء في المشهد النقدي والعلمي والثقافي المغربي، خاصة أن الأمر يتعلق بغناء العيطة باعتباره موسيقى تقليدية، ومفهوم مركزي يحدد أنواعا من الموسيقى التراثية في الدراسات المعاصرة، موضحا أن هذا التعبير الشعري الغنائي الموسيقي والتقليدي، يتميز بوحدة النوع وتعدد الأنماط، وكذا وحدة الأصل سواء تعلق الأمر بالبناء الشعري أو النسخ الموسيقي، وأيضا البعد اللساني والصوتي والتركيبي والدلالي، "بمعنى أن كل هذه التكوينات التي تشكل العيطة حاضرة أيضا في التعبيرات الشفوية والموسيقية الإنسانية في الجغرافيات البعيدة".
كما أكد السيد السرحاني أن هذا الكتاب هو بحث أكاديمي رصين وجريء يعيد الاعتبار والقيمة لموضوع كان يعتبر موضوعا مهما غير مناقش علميا على الأقل، ثم تم تناوله من وجهه نظر سوسيوثقافية وتاريخية، الشيء الذي يجعله موضوعا مركبا ويعتمد مقاربة مركبة تفرضها طبيعة هذا الموضوع.