ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، وفي التفاتة نوعية إلى التحولات التي يعرفها الذوق الفني لدى الجيل الجديد، احتضنت إحدى الندوات الثقافية جلسة نقاشية تحت عنوان "المشهد الموسيقي الشبابي الجديد"، شارك فيها كل من الأستاذ أحمد عيدون، والأستاذ ياسين اغلالو، والأستاذة هند نصري، وأدار أطوارها الأستاذ يونس الوكيلي.
الندوة سلطت الضوء على الأنماط الموسيقية الشبابية مثل الراب، والراي، والروك، والتكنو، وغيرها من الألوان التي باتت تشكل جزءا من التعبير الفني الجديد بالمغرب، والتي لا تزال على الرغم من حضورها القوي في منصات الاستماع والتداول الرقمي، خارج دائرة الاهتمام الأكاديمي والبحثي الكافي.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث ياسين اغلالو، باحث في الفلسفة والفنون ومهتم بالتعبيرات الشبابية وعلاقة الفن بالمدينة وبالتحولات الحضارية، أن مداخلته تسعى إلى تفكيك السياقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزت هذه التعبيرات الموسيقية الجديدة، إلى جانب التعبيرات والجهود التي يقوم بها هؤلاء الشباب لمحاوله تبرئة هذه التعبيرات الشبابية وجعلها مقبولة عند المغاربة.
وأكد الباحث أن هذه الأنماط الفنية تواجه في كثير من الأحيان أحكاما قبلية وكليشيهات متداولة، تجعل منها تعبيرات "مرفوضة" مجتمعيا، بحكم ما ينظر إليها به من كونها دخيلة على الثقافة المغربية، سواء من حيث الشكل أو من حيث القيم التي تنطوي عليها؛ غير أنه شدد على أن هذه التعبيرات، رغم ما يحيط بها من مظاهر خارجية، تحمل في طياتها أبعادا قيمية وجمالية واجتماعية عميقة، تستحق أن تكون موضوعا للبحث والدراسة.
ودعا الأستاذ اغلالو إلى انخراط فعلي من طرف الباحثين في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية من أجل فهم أعمق لهذه التعبيرات، والاعتراف بها كجزء من النسيج الثقافي المغربي، مشيرا إلى أن هذه الظواهر تفرض نفسها في الواقع.
من جهتها، أبرزت الباحثة هند نصري، الحاصلة على دكتوراه في اللغة العربية حول موضوع "خصوصيات الراب بين العولمة والخصوصية الثقافية"، أن الأغنية الشبابية، وخاصة موسيقى الراب، تستحق اليوم اهتماما بحثيا أكبر بالنظر إلى التغيرات التي تعرفها الممارسات الثقافية لدى فئة واسعة من الشباب المغربي.
وأشارت إلى أن الموسيقى الشعبية التقليدية حظيت باهتمام أكاديمي كبير عبر دراسات وتنقيبات معمقة، في حين لا تزال الموسيقى الشبابية المعاصرة، وعلى رأسها الراب، تفتقر إلى دراسات جادة تستكشف خصوصياتها ورهاناتها؛ واعتبرت أن هذا النوع من الموسيقى بات يجذب شريحة عريضة من الشباب، خاصة فئة المراهقين، وهو ما يمنحه وزنا حقيقيا في المشهد الثقافي والموسيقي المغربي.
وشددت الأستاذة نصري على ضرورة مقاربة موسيقى الراب من زوايا متعددة، سواء كانت نفسية، ثقافية أو اجتماعية، لفهم تأثيرها المتنامي على الذوق العام، معتبرة أن تسليط الضوء عليها هو ضرورة لفهم تحولات المجتمع المغربي من خلال مرآة الفن.
وفي سياق مداخلته، أكد الأستاذ أحمد عيدون، أستاذ متخصص في قضايا التراث الثقافي والفني، وخريج المعهد الوطني للموسيقى بالرباط في مواد الصولفيج والعود والتأليف الموسيقي، أن تجربة "جيل موازين"، التي أطلقتها جمعية مغرب الثقافات سنة 2006، شكلت منعطفا حاسما في دعم وتثمين المواهب الموسيقية الشابة بالمغرب؛ وأوضح أن هذه المبادرة، التي رافقها منذ بدايتها كرئيس للجنة التحكيم، ساهمت بشكل كبير في إبراز قدرات الشباب الفنية والترويج لها عبر مختلف الوسائط، من التلفزيون إلى الهواتف المحمولة، وصولا إلى شبكات التواصل الاجتماعي.
كما أوضح الأستاذ عيدون أن اطلاعه على المشهد الموسيقي الشبابي لم يكن فقط من خلال المسابقات، بل أيضا عبر اشتغاله الأكاديمي، والذي ساعده على التعمق أكثر في فهم هذا الحراك الفني، مختتما مداخلته بالتأكيد على أن "جيل موازين" لم يكن مجرد مسابقة فنية، بل شكل ورشة حقيقية لإعادة تشكيل العلاقة بين الشباب والموسيقى، وبين التراث والتجديد.