ضمن فعاليات اليوم الثاني للمعرض الدولي للنشر والكتاب، نظمت بقاعة أفق، ندوة فكرية بعنوان "تجليات المحبة في التراث العربي"، ناقش خلالها ثلة من الباحثين والمفكرين قيمة المحبة ومكانتها في الفكر العربي.
وفي إطار هذا اللقاء، الذي شارك فيه كل من الأستاذ محمد المصباحي والأستاذة فاطمة الحسيني، وأداره المفكر عزيز الحدادي، تمت مقاربة المحبة كقيمة كونية، وإحدى أعلى درجات الشرط الإنساني، تلك التي تجعل من الإنسان كائنا محبا قبل أن يكون مفكرا أو مبدعا.
وفي مداخلته خلال الندوة، تناول الكاتب والباحث المغربي الأستاذ محمد المصباحي موضوع "الحب الصوفي" كمدخل لفهم البعد الروحي العميق للمحبة في الإسلام، وأوضح أن التصوف الإسلامي كان له فضل كبير في إبراز أن الإسلام أيضا دين حب، رغم الصورة الشائعة التي تجعل من المسيحية دين المحبة بامتياز؛ مؤكدا أن المتصوفة، وعلى رأسهم ابن عربي، تمكنوا من إخراج هذا المعنى من طيات الإمكان النظري إلى التجربة الفعلية، فـجعلوا الإسلام دين حب بامتياز.
وأضاف الأستاذ المصباحي أن ابن عربي لم يختزل الحب في العلاقة بين الرجل والمرأة، بل وسع أفقه ليشمل حب الله باعتباره أكمل وأجمل أشكال المحبة؛ ومع ذلك، فإن حب المرأة يظل أعظم حب في نظره، لأنها "مرآة الله"، أي أن محبة المرأة انعكاس لمحبة الله؛ وتابع موضحا أن الشوق، في الرؤية الصوفية، هو القوة الدافعة التي تربط المحب بمبدئه، فكما تحب المرأة الرجل لأنها انفصلت عنه، يحب الإنسان الله لأنه جزء من الكل، وفرع من الأصل، ولا يمكن للمحبة أن تتحقق دون وجود مناسبة بين المحب والمحبوب.
وتابع أن محبة الله، في التصوف، تعني الفناء فيه والاتحاد معه، أي أن الذات البشرية لا تكتمل إلا حين تذوب في الذات الإلهية، والمفهوم ذاته ينطبق على العلاقة بين الرجل والمرأة، باعتبارها علاقة تجسد تلك المناسبة الوجودية.
من جهتها، قدمت أستاذة التعليم العالي فاطمة الحسيني قراءة في كتاب "الحب في البلاد الإسلامية من خلال نصوص تراثية" للراحلة فاطمة المرنيسي، مشيرة إلى أن هذا العمل، المكتوب في الأصل باللغة الفرنسية، يكشف عن غنى التراث العربي في موضوع الحب والمحبة، وهو ما لا يعرفه الكثير من القراء والباحثين، خاصة في مجال الأدب.
واقترحت الأستاذة الحسيني ضرورة قراءة الكتاب باللغة العربية لتعريف القارئ العربي بمضامينه الثرية، مشيرة إلى أنها اختارت تسميته بـ"مقامات الحب لدى فاطمة المرنيسي"، نظرا لما يحمله من مفاهيم ومصطلحات دقيقة ومتنوعة بلغت نحو خمسين لفظا مرتبطا بالحب، لكنها ليست مجرد مرادفات بل درجات وتمظهرات مختلفة لتجربة الحب الإنسانية.
وأكدت أن الكتاب يتجاوز النظرة الضيقة للحب باعتباره علاقة عاطفية بين الرجل والمرأة، ليقدمه بمنظور إنساني كوني، مستشهدا بنصوص من الشعر والحكايات والفلسفة والتصوف، مما يجعله مرجعا غنيا يستحق المزيد من النقاش والتأمل، ويفتح آفاقا مهمة أمام الأجيال الجديدة لفهم عمق مفاهيم المحبة في ثقافتنا العربية.